responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 256
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً [الْمُؤْمِنُونَ: 115] وَبِقَوْلِهِ: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها [الْإِسْرَاءِ: 7] وَبِالْجُمْلَةِ فَشُبُهَاتُ الْكُفَّارِ كَثِيرَةٌ، فَهُمْ لَمَّا رَأَوُا الْقُرْآنَ مُشْتَمِلًا عَلَى أُمُورٍ مَا عَرَفُوا حَقِيقَتَهَا وَلَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى وَجْهِ الْحِكْمَةِ فِيهَا لَا جَرَمَ كَذَّبُوا بِالْقُرْآنِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوْمَ مَا كَانُوا يَعْرِفُونَ أَسْرَارَ الْإِلَهِيَّاتِ، وَكَانُوا يُجْرُونَ الْأُمُورَ على الأحوال المألوفة في عَالَمِ الْمَحْسُوسَاتِ وَمَا كَانُوا يَطْلُبُونَ حُكْمَهَا وَلَا وُجُوهَ تَأْوِيلَاتِهَا، فَلَا جَرَمَ وَقَعُوا فِي التَّكْذِيبِ وَالْجَهْلِ، فَقَوْلُهُ: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ إِشَارَةٌ إِلَى عَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَقَوْلُهُ: وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ إِشَارَةٌ إِلَى عَدَمِ جِدِّهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ فِي طَلَبِ تِلْكَ الْأَسْرَارِ.
ثُمَّ قَالَ: فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ طَلَبُوا الدُّنْيَا وَتَرَكُوا الْآخِرَةَ، فَلَمَّا مَاتُوا فَاتَتْهُمُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ فَبَقُوا فِي الْخَسَارِ الْعَظِيمِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ مِنْهُ عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ بِالْأُمَمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ مِنْ ضُرُوبِ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا، قَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ قَوْلُهُ: / وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ غَيْرَ عَارِفٍ بِالتَّأْوِيلَاتِ وَقَعَ فِي الْكُفْرِ وَالْبِدْعَةِ، لِأَنَّ ظَوَاهِرَ النُّصُوصِ قَدْ يُوجَدُ فِيهَا مَا تَكُونُ مُتَعَارِضَةً، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفِ الْإِنْسَانُ وَجْهَ التَّأْوِيلِ فِيهَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ لَيْسَ بِحَقٍّ، أَمَّا إِذَا عَرَفَ وَجْهَ التَّأْوِيلِ طَبَّقَ التَّنْزِيلَ عَلَى التَّأْوِيلِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ نُورًا عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّه لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ.

[سورة يونس (10) : الآيات 40 الى 41]
وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَوْلَهُ: فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ وَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ تَسْلِيطَ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا، أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ مُنَبِّهًا عَلَى أَنَّ الصَّلَاحَ عِنْدَهُ تَعَالَى كَانَ فِي هَذِهِ الطَّائِفَةِ التبقية دون الاستئصال، من حَيْثُ كَانَ الْمَعْلُومُ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: بِهِ رَاجِعًا إِلَى الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمَذْكُورُ مِنْ قَبْلُ، ثُمَّ يُعْلَمُ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ الْإِيمَانُ بِالْقُرْآنِ، فَقَدْ حَصَلَ مَعَهُ الْإِيمَانُ بِالرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَيْضًا. وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ: وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ يُؤْمِنُ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ وَهُوَ يَصْلُحُ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْحَالِ، وَقَالَ: الْمُرَادُ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْقُرْآنِ بَاطِنًا، لَكِنَّهُ يَتَعَمَّدُ الْجَحْدَ وَإِظْهَارَ التَّكْذِيبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَاطِنُهُ كَظَاهِرِهِ فِي التَّكْذِيبِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَصْحَابُ الشُّبُهَاتِ، وَأَصْحَابُ التَّقْلِيدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ هُوَ الْمُسْتَقْبَلُ، يَعْنِي أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِأَنْ يتوب عن الفكر ويبدله بالإيمان ومنهم من بصر وَيَسْتَمِرُّ عَلَى الْكُفْرِ.
ثُمَّ قَالَ: وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ أَيْ هُوَ الْعَالِمُ بِأَحْوَالِهِمْ فِي أَنَّهُ هَلْ يَبْقَى مُصِرًّا عَلَى الْكُفْرِ أَوْ يَرْجِعُ عَنْهُ.
ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ قِيلَ فَقُلْ لِي عَمَلِي الطَّاعَةُ وَالْإِيمَانُ، وَلَكُمْ عَمَلُكُمُ الشِّرْكُ، وَقِيلَ: لِي جَزَاءُ عَمَلِي وَلَكُمْ جَزَاءُ عَمَلِكُمْ.
ثُمَّ قَالَ: أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ قِيلَ مَعْنَى الْآيَةِ الزَّجْرُ وَالرَّدْعُ، وَقِيلَ بل معناه

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 256
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست